حوار | أطفال في ضائقة بالمجتمع العربي: العشرات دون عائلات حاضنة

ينتظر عشرات الأطفال في ضائقة في المجتمع العربي، عائلات حاضنة توفر لهم الدفء والمحبة والحنان، هؤلاء الأطفال عانوا داخل بيوتهم ظروفا صعبة تركت أثرا سيئا فيهم وأعاقت تطورهم السليم.

حوار | أطفال في ضائقة بالمجتمع العربي: العشرات دون عائلات حاضنة

عشرات الأطفال ينتظرون عائلات حاضنة (تصوير جمعية مطاف)

ينتظر عشرات الأطفال في ضائقة في المجتمع العربي، عائلات حاضنة توفر لهم الدفء والمحبة والحنان، هؤلاء الأطفال عانوا داخل بيوتهم ظروفا صعبة تركت أثرا سيئا فيهم وأعاقت تطورهم السليم. علما أن هناك عائلات تبحث عن أبواب لفعل الخير؛ وهل هناك أفضل من توفير بيت دافئ لطفل يتعطش للمسة حنان.

وبهذا الصدد، أجرى "عرب 48" حوارا مع مركزة المجتمع العربي في جمعية "مطاف" للعائلات الحاضنة والمسؤولة عن دمج الأطفال في ضائقة داخل عائلات حاضنة، العاملة الاجتماعية سامية سليمان، التي تعمل منذ سنوات طويلة مع العائلات الحاضنة وتقوم بملاءمة العائلة المناسبة لحضانة طفل حسب شروط ومعايير حددتها وزارة الرفاه الاجتماعي وقانون العائلات الحاضنة.

ورأت سليمان أن هناك حاجة ماسة لإعادة التذكير بأهمية تجنيد وتأهيل عائلات حاضنة وإعادة هذا الموضوع إلى العناوين الرئيسية بعد التغيرات العديدة التي طرأت على مجتمعنا؛ مشيرة إلى أنه قبل سنوات حين كنا ننشر إعلانا حول حاجتنا لعائلة حاضنة لطفل كنا نتلقى عشرات وربما مئات الطلبات من عائلات على استعداد لحضانة الطفل.

"عرب 48": ماذا نقصد بأولاد في دائرة الخطر أو الضرر؟

سليمان: بمعنى أن الطفل لا يحصل على احتياجاته الأساسية والرعاية العاطفية اللازمة، كسائر الأولاد في مثل سنه. هذا الطفل ولد في بيئة تمس به وتكشفه على أنماط سلوكية تعرضه للأذى.

"عرب 48": على أي أساس يتم إخراج الولد أو الطفل من داخل عائلته وأسرته؟

سليمان: توفير بيئة للأولاد خارج عائلاتهم يتم من خلال لجنة مهنية في مكتب الشؤون الاجتماعية أو بقرار من المحكمة، وذلك بعد سيرورة من التدخل المهني والبرامج العلاجية لمساعدة العائلة بالخروج من أزماتها، وحين تفشل الجهود في إعادة العائلة إلى مسارها الطبيعي يتخذ قرار بإلحاق الطفل بعائلة حاضنة بشكل مؤقت لحمايته وتمكين أهله من الاندماج ببرنامج الإرشاد والتأهيل.

سامية سليمان

"عرب 48": بماذا تختلف الحضانة عن التبني؟

سليمان: التبني هو انضمام الطفل بشكل دائم لعائلة تتبناه ويصبح انتسابه لها. أما الحضانة فتختلف بشكل جوهري بأنها عملية ترتيب شؤون طفل بشكل مؤقت لحين تحسن ظروف الأهل وعودة الطفل إلى أحضان عائلته بعد تطبيق برنامج علاجي. الطفل يستمر بعلاقة مع أهله الأصليين ويلتقي بهم أو يزورهم بالتنسيق مع مكتب الخدمات الاجتماعية. نحن نسعى لبناء علاقة الطفل مع أهله وتقويتها لأن هذا من مصلحته ومن حق أهله من الناحية الشرعية والقانونية.

ولو نظرنا إلى البعد الديني فقد نجد أن التبني محظور لكن الرعاية والحضانة هي أمر شرعي ومحبذ، والنبي محمد عليه السلام نشأ وتلقى الرعاية في بيت جده عبد المطّلب وبعدها في بيت عمه أبي طالب الذي كان بمثابة عائلة حاضنة له لسنوات عديدة مما يؤكد بوضوح على الميزة العظيمة التي يوليها الدين لاحتضان الأطفال المحتاجين للرعاية.

"عرب 48": هل هناك ما يكفي من العائلات الحاضنة لحضانة الأولاد الذين يعيشون ظروفا صعبة داخل عائلاتهم؟

سليمان: في الواقع هذا السؤال هو جوهر الموضوع، ونحن في جمعية "مطاف" نعمل في هذا المجال منذ 20 عاما، ففي الماضي حين كنا نعلن عن حاجتنا لعائلة حاضنة، كنا نستقبل مئات التوجهات من عائلات عربية على استعداد لحضانة طفل. اليِوم نحن بحاجة لتظافر جهودنا مع مؤسسات المجتمع المختلفة لتجنيد عائلات حاضنة لهذه المهمة المقدسة.

"عرب 48": كم عدد الأطفال العرب الذين تم دمجهم في إطار عائلات حاضنة من خلال جمعيتكم؟

سليمان: نحن اليوم نرافق أكثر من 200 عائلة عربية حاضنة، هذه العائلات تحتضن أكثر من 300 طفل وطفلة، جزء من هؤلاء الأطفال هم من ذوي الاحتياجات الخاصة. نحن بدورنا نقوم باختيار العائلة الأنسب لكل طفل وبإعداد برنامج علاجي لكل ولد وطفل في إطار العائلة الحاضنة، وهنالك متابعة لأحوال هؤلاء الأولاد بعد أن نقوم باختيار العائلة الأنسب لهم.

"عرب 48": ماذا تقصدين بالعائلة الأنسب لهم؟

سليمان: تتم ملاءمة العائلة لاحتياجات الطفل. فمن حق الطفل في العائلة الحاضنة أن يحافظ على هويته الشخصية والاجتماعية بما في ذلك، اسمه ولغته وديانته وثقافته ولذلك يتم ترتيب الأطفال في عائلات من نفس الديانة.

زيادة على ذلك ينص قانون الأسر الحاضنة على إعطاء الأولوية لدمج الطفل واحتضانه ضمن أفراد عائلته الموسعة إذا استوفت الشروط التي حددتها وزارة الرفاه الاجتماعي. الهدف من ذلك هو إبقاء الطفل في البيئة المألوفة له والحفاظ على الانتماء والهوية للطفل، وفي حال تعذّر ذلك يتم البحث عن عائلة حاضنة مناسبة خارج نطاق الأسرة الموسعة.

"عرب 48": هل تنقطع صلته بعائلته الأصلية في اللحظة التي يتم استيعابه في عائلة حاضنة؟

سليمان: منذ اللحظة التي تتعرف العائلة الحاضنة على الطفل بهدف استقباله يتم وضع برنامج علاجي له بالتنسيق مع مكتب الخدمات الاجتماعية والعائلة الحاضنة، من ضمن ذلك المحافظة على علاقته مع عائلته وبالتالي الأهل يبقون في الصورة، ويتم وضع برنامج لزيارة الطفل لأهله في البيت إذا كانت ظروف أهله لا تشكل خطرا عليه.

"عرب 48": هل هنالك مخصصات أو دعم معين تحصل عليه العائلة الحاضنة؟

سليمان: طبعا.. وزارة الرفاه تموّل مصروفات الطفل الموجود في العائلة الحاضنة، كل عائلة حاضنة تحصل على مبلغ شهري ثابت بالإضافة لاسترجاع مصروفات البرنامج العلاجي والمصروفات الموسمية كافتتاح السنة الدراسية والأعياد وغير ذلك، ونحن بدورنا نكون داعمين للعائلة الحاضنة طوال الوقت من خلال الإرشاد والمتابعة. جلسات الإرشاد تتم في بيت العائلة الحاضنة، إذ أن العاملة الاجتماعية المرافقة تزور العائلة وتلتقي بالطفل وتقوم بمتابعة البرنامج العلاجي مع العائلة.

"عرب 48": هل هناك نقص في عدد العائلات الحاضنة في المجتمع العربي؟

سليمان: نعم صحيح، هنالك نقص شديد في العائلات الحاضنة، ونحن نناشد العائلات بأن يلتفتوا إلى مجتمعها وأن تعود لتكون داعمة وإيجابية تجاه هؤلاء الأطفال المحرومين. نحن بصدد رفع الوعي لموضوع العائلات الحاضنة الذي يختلف تماما عن التبني. كثيرا من الأحيان حين أتحدث عن الموضوع أصطدم بكلمة "حرام" دينيا، لكنني أعود وأؤكد أنه يوجد بلبلة بفهم المصطلحات فالحضانة تختلف عن التبني. قبل فترة وجيزة تم عقد يوم دراسي في مدينة سخنين بمشاركة رجال دين وجميعهم أثنوا على موضوع حضانة الأولاد في ضائقة وقالوا إنهم سيتطرقون إلى هذا الموضوع من على منابر المساجد في خطبة الجمعة، ففي الحضانة إنقاذ للطفل، وتشجيع لأهله على إصلاح حالهم وذات بينهم أملا في عودة أبنائهم إلى رعايتهم.

"عرب 48": أليس من الصعب على العائلة الحاضنة التخلي عن طفل احتضنته لسنوات عديدة أصبح خلالها جزءا من العائلة؟

سليمان: بالطبع هو أمر صعب للغاية، لكن العائلة الحاضنة تكون على علم ومدركة تماما منذ البداية أن الحضانة مؤقتة، وكذلك زيارات الطفل لأهله بشكل مكثف قبل العودة إليهم تجعلهم مهيئين للحظة الفراق بشكل تدريجي، لا شك أنها لحظات صعبة لكن يمكن تجاوزها فالعائلة الحاضنة تدرك أن الطفل هو ليس ابنها، بل هو ابن لعائلة أخرى تنتظر رجوعه إلى احضانها. نحن نؤكد هذا الأمر من خلال الإرشاد المهني للعائلة الحاضنة ونوفر الدعم لها ولأولادها حتى نساعدهم على تخطي الفراق.

"عرب 48": هل تفضلون عائلات حاضنة مع أولاد، أم يفضل عائلات لم ترزق بأولاد؟

سليمان: لكل عائلة خصوصياتها وتحدياتها، عائلة مع أولاد تكون قد مرت بتجربة تربية الأولاد، واحتياجات الأطفال في مراحل مختلفة في حال استيقظوا في ساعة متأخرة من الليل، وكيفية التعامل معهم لدى دخولهم الصف الأول، وفي سن المراهقة، بالمقابل تكون طاقاتها موزعة على أولادها أيضا. العائلة التي لم ترزق بأولاد تتلقى منا إرشادا مكثفا ودعما وأيضا تحتاج لدعم من العائلة الموسعة والجانب الإيجابي هو أنها عائلة متفرغة تماما لرعاية هؤلاء الأطفال.

"عرب 48": ما هي الشروط المستوجب توفرها في العائلة ليتم قبولها كعائلة حاضنة؟

سليمان: قبل كل شيء يجب توفر الرغبة والنية بتحمل التحديات في هذه المهمة المقدسة والمعرفة أن العائلة الحاضنة لا تعمل لوحدها وهي محاطة بالدعم الكامل من جميع الجهات المهنية وأن تكون على استعداد للعمل مع شركاءها في هذه المهمة.

الشروط التي يستوجب توفرها في العائلة ليتم قبولها كعائلة حاضنة حددتها وزارة الرفاه الاجتماعي ونص عليها القانون وهي وضع اجتماعي واقتصادي وصحي مستقر وسليم. بالإضافة إلى عدم وجود ملفات جنائية للزوجين أو لأي ولد من أولادهم وألا يزيد عمر الزوجين عن سن الـ55. كما تقوم عاملة اجتماعية بفحص طلب العائلة وتقدم توصياتها إلى المفتشة في وزارة الرفاه التي تقرر المصادقة على طلب العائلة.

التعليقات